مرة جديد يؤكد تيار "المستقبل"، بالرغم من عدم صدور أي موقف رسمي بذلك، أن رغبته الأساسية في الإنتخابات النيابية المقبلة هو الوصول إلى المقاطعة السنية، أو بالحد الأدنى عزوف القسم الأكبر من أبناء الطائفة عن المشاركة في هذا الإستحقاق، بعد أن كان رئيس الحكومة السابق سعد الحريري قد قرر خروج التيار من المشهد الإنتخابي على مستوى الترشيحات.
في الفترة الماضية، كان "المستقبل" قد عمد إلى دعوة الراغبين في الترشح من أعضائه إلى تقديم إستقالتهم من التيار، لكن يوم أمس تطور الموقف ليشمل كل منتسب أو منتسبة، في حال العزم على المشاركة بأي نشاط إنتخابي، لا سيما على مستوى التسويق لمشاريع انتخابية أو لأيّ من المرشحين أو المشاركة في أيّ نشاطات أو ماكينات انتخابية.
ما تقدم، بحسب مصادر متابعة، لا يمكن أن ينفصل عن التطورات التي كانت الساحة السنية قد شهدتها في الأيام الماضية، لناحية بروز العديد من الجهات السياسية التي تسعى إلى الإستثمار في هذه الساحة، الأمر الذي يُفسر الطريقة التي تم التعامل فيها مع المواقف التي كان قد أطلقها رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة مؤخراً، خصوصاً لناحية دعوته أبناء الطائفة إلى المشاركة الكثيفة ترشيحاً وإقتراعاً.
بالتزامن، ترى المصادر نفسها، عبر "النشرة"، أن الأمر نفسه ينطبق على دعوة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى المشاركة الكثيفة في الإقتراع، نظراً إلى أن الدعوتين مصدرهما مرجعيتان كبيرتان على مستوى الطائفة، حتى ولو كان "التيار" يتجنب الصدام مع أي منهما، بسبب التداعيات التي قد تترتب على ذلك، حيث يكتفي بإعادة التأكيد بأن الموقف الوحيد الذي يلزمه هو موقف الحريري نفسه، أو أي موقف آخر يصدر عن التيار بشكل رسمي.
إنطلاقاً من ذلك، تنظر هذه المصادر إلى التعميم الجديد الذي صدر عن "المستقبل"، يوم أمس، الّذي يؤكد أن التيار يريد أن يكون خارج المشهد الإنتخابي بشكل كامل، الأمر الذي من المفترض أن ينسحب على نشاط محازبيه، الذين لن يكونوا قادرين على لعب دورهم السابق في الإستحقاقات الإنتخابية، بينما من يريد أن يخوض الإستحقاق من الدائرة المقربة منه أن "يقلع شوكه بيديه"، الأمر الذي قد يدفع البعض إلى التفكير أكثر من مرة قبل الإقدام على خطوة الترشح.
في هذا الإطار، من الممكن طرح أكثر من علامة إستفهام حول الأسباب التي تدفع التيار إلى التشدد في هذا المجال على المستوى الرسمي، بالرغم من أنه لم يدعُ إلى المقاطعة بشكل رسمي، مع العلم أن بعض مسؤوليه بدأوا يتحدثون عن أنهم من الناحية الشخصية لن يشاركوا في هذا الإستحقاق، حتى على مستوى الإقتراع.
من وجهة نظر المصادر المتابعة، هذا الأمر يعود إلى فكرة "المستقبل" أن يتم التعامل معه على أساس أنه "صفحة طُويت"، وهو ما يمكن تلمسه من خلال تعامل مجموعة من حلفاء التيار الذين بدأوا بالبحث عن الخيارات الأخرى التي من الممكن أن تصب في صالحهم، بينما بعضهم يعمل على إستمالة بعض أعضاء "المستقبل" الذين يملكون تأثيراً في الأوساط الشعبية، من دون تجاهل الدعوات التي توجه إلى المشاركة الكثيفة في الإقتراع من قبل بعض أبناء "البيت الداخلي".
في قراءة المصادر نفسها، المقاطعة الشعبية هي التي تؤكد على حضور "المستقبل" في القواعد الشعبية، خصوصاً لناحية تأكيد زعامة الحريري، بينما المشاركة الطبيعية من قبل أبناء الطائفة السنية، في الإنتخابات المقبلة، تعني فتح الباب أمام زعامات جديدة، حتى ولو كانت مناطقية لا تصل إلى المستوى الذي يشكله على المستوى الوطني العام، وتسأل: "هل هناك من يصدق أن رئيس الحكومة السابق سيبقى متفرجاً على ما يحصل من دون القيام بأي خطوة"؟.
في المحصلة، تذكر هذه المصادر بموقف أساسي لا يمكن تجاهله، هو ذلك الذي صدر عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في حديثه لصحيفة "الأهرام" المصرية، الذي أشار إلى أن الحريري أُجبر على الإنسحاب من المعركة، للتشديد على أن هذا الأمر يعني بأن مرور الأمر، في الإستحقاق الإنتخابي، مرور الكرام يعني تحقيق الهدف من هذا الإجبار، بينما كل المؤشرات توحي بأن "المستقبل" ليس في وارد الإستسلام الكامل.